حنين
المساهمات : 20 تاريخ التسجيل : 04/11/2009
| موضوع: اللهم سلمنا لرمضان وسلمه لنا وتسلمه منا متقبلا الأحد أغسطس 08, 2010 7:39 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
مرحبًا بشهر الرحمات
يستعد المسلمون في شتَّى بقاع الأرض لاستقبال هدية الرحمن لعباده الطائعين العابدين، وهي "شهر رمضان المبارك" الذي تتشوق نفوس الجميع لحسن استقباله، والاحتفال به؛ للفوز بعطاياه ومنحه الربانية المتعددة، وهي تترا. والشيء العجيب أنك ترى الناس بمختلف طوائفهم وأعمارهم وأجناسهم تنتظر وصول ذلك الشهر بشغفٍ حار وبشوق شديد وحنين كبير، ولعلَّ هذا من عجائب وأسرار شهر رمضان الحبيب.. ولما لا وهو الشهر الذي تصفَّد فيه الشياطين والجان، وتفتح فيه أبواب الجنان، وينادي فيه منادٍ من قبل الرحمن: أن يا باغي الخير أقبل.. ويا باغي الشر أقصر، وهو الشهر الذي من تقرَّب فيه إلى الله بخصلة من خصال الخير كان كمن أدَّى فريضةً فيما سواه، ومن أدَّى فيه فريضةً كان كمن أدَّى سبعين فريضةً فيما سواه. فهنيئًا هنيئًا لمَن استعد من الآن لاستقبال ذلك الشهر، بما يليق به ولمن وطَّد نفسه وقلبه لحسن التعرُّض لنفحات الله وفيوضاته التي لا تعد ولا تحصى، وذلك من أول ليلة فيه حتى انتهائه وتوديعه بليلة القدر، وهي ليلة السعداء الفائزين. وهيا بنا من الآن نضع لأنفسنا بعض الأعمال والقربات والتي نتمنَّى من الله أن يعيننا فيه على القيام بها مع طلب الأجر والمثوبة، وليكن شعارنا جميعًا فيه "فأروا الله فيه من أنفسكم خيرًا".
أولاً: على المستوى الشخصي 1- معايشة القرآن الكريم تلاوة وتدبرًا، وفهمًا في شهر رمضان، وليكن لك ختمة تدبُّر في رمضان ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ﴾ (البقرة: من الآية 185)، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ..﴾ (الإسراء: من الآية 9). 2- الحرص على تكبيرة الإحرام والسنن القبلية والبعدية في المسجد طوال رمضان ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)﴾ (الحج) ".. ولا يزال عبدي يتقرَّب إليّ بالنوافل حتى أحبه..". 3- الحرص على الدعاء عند الإفطار لمن تحب ولدعوتك ولإخواننا في غزة، وأن ينصر الله الإسلام والمسلمين، "للصائم دعوة لا ترد". 4- المكث في المسجد بعد صلاة الفجر في تلاوة وذكر واستغفار حتى صلاة الضحى- ولو مرتين في الأسبوع- لتفوز بأجر عمرة وحجة تامة تامة تامة. 5- الترتيب من الآن لاعتكاف العشر الأواخر أو الليالي الفردية، "مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه" ثانيًا: على المستوى العائلي: 1- احرص على أن تجمع الأولاد والأهل على مائدة القرآن والذكر يوميًّا في رمضان، ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)﴾ (البقرة). 2- خاطرة يومية عند الإفطار لأحد أفراد الأسرة حول معنى من معاني رمضان. 3- الحرص على صلة الرحم بزيارة القريب والاتصال بالبعيد مع غرس تلك القيمة في الأولاد ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ (النساء: من الآية 2). 4- التواصل مع الجيران بالزيارة أو التهادي بشيء من هدايا رمضان الحبيب "تهادوا تحابوا". 5- دعوة أفراد العائلة والأرحام إلى الإفطار في رمضان مع عدم التكلُّف لهم. ثالثا: على مستوى الأبناء 1- تشجيع الأبناء للمكث في المسجد في رمضان مع إحياء دوره المفقود. 2- دفع الأبناء إلى المشاركة في أعمال البر والخير في رمضان. 3- مصاحبة الأولاد للوالدين في صلاة القيام والتهجد في رمضان، "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته". 4- تقليل أوقات جلوس الأبناء أمام الكمبيوتر والتليفزيون في رمضان للاستزادة من أعمال الطاعة والعبادات. 5- إحياء مشروعي الدعوة الفردية والربط العام في رمضان بدعوة الأبناء لزملائهم وزميلاتهم لإحياء قيم رمضان مع متابعاتهم في ذلك، "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من الدنيا وما عليها". ***************
انتبه!! .. فالضيف يؤكد الموعد قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185)، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم" (صحيح).
اعرف ضيفك: - رمضان يحبُّ تخلية القلب والجوارح حتى يحلِّيك بالقرآن والقيام والصِّيام. - رمضان صيامه فريضة وقيامه نافلة والعبادة فيه مضاعفة والرزق وفير وفير. - رمضان من فطَّر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه، وعتقًا لرقبته، وكان له مثل أجر الصائم دون أن ينقص من أجر الصائم شيء. - رمضان تنادي فيه الحور العين على ربها قائلةً: "اللهم اجعل لنا من رمضان أزواجًا". - رمضان تنادي فيه الجنة على ربها قائلةً: "اللهم اجعل لنا من رمضان سكانًا". - رمضان تُسلسل فيه الشياطين فلا شيطانَ شارد أو وارد، فانتبه يا غافل. - رمضان تُفتَّح فيه أبواب الجنة، فلا يُترك باب إلا وفتِّح على مصراعيه فأبشروا. - رمضان تُغلَّق فيه أبواب النيران، فلا يُترك باب إلا وغلِّق، فأقبلوا يا خائفين. - رمضان يُحبُّ المخلصين وينادي على المحسنين، فهنيئًا يا أهل الإخلاص. - رمضان لا يحبُّ الغيبة والنميمة والرفث والفسوق والسب والخصام فالْتزِم. - رمضان فيه لله عتقاء لا يعلم عددهم إلا هو، كذا رمضان شهر الانتصارات. ماذا يحبُّ الضَّيف منكم آل البيت؟ - يقول الضيف إنه سيجلس معكم 30 يومًا، ثم سيرحل عنكم، وطول مدة الإضافة سيتحفكم بهداياه، لو أحسنتم استقباله فلا تضيعوا الفرصة. - يحبُّ الضيف منكم اليقظة وطيِّ الفُرُش؛ لأن لياليه وأيامه ليست ككل الليالي، ولا كباقي الأيام فهي صيام وصلاة وتوبة وإقلاع عن الذنوب، ومودة ورحمة مع الزوجة. - يحذِّركم رمضان من التدخين، فهو لا يحبُّ التدخين ويكره المدخنين فهل أنتم قابلون. - يحب الضيف الكريم الغالي منكم كثرة التلاوة للقرآن الكريم، وبإتقان وبخشوع وبتدبُّر لمعانيه. - الضيف يشتاق إليكم من الآن ويخبركم أنه يحبكم، فهل أنتم تتشتاقون إليه من الآن؟. - النجوم في السماء والملائكة في الملأ الأعلى يتجهزون لنزول الضيف، فهل أنتم متجهِّزون لاستقبال الضيف؟. - يحبُّ الضيف منكم التَّخطيط لبرنامج فترة إقامته، فهو لا يرضى بالارتجالية ولا بالعشوائية ولا بالأعمال المفاجئة، فهو ليس كمثله من باقي الشهور وحتى تستفيدوا منه. - الضيف يحبكم ويحب منكم الجد والعمل، و"فلترة التلفاز" إن لم يكن غلقه حتى ولو كانت برامج إسلامية أو إخبارية أو مسلسلات هادفة، فهو يريد القرآن القرآن وفقط، وقد نزل على من هم خير منكم، فأحسنوا استقباله وجعلوه شهر قرآن فقط، فأعطاهم العتق من النيران، وسكنى أعالي الجنان. - الضيف الكريم لا يريد ولا يحب مصافحة النساء الأجنبيات، ولا محادثتهن ولا التعرف عليهن، ويخبركم أن "الشات والإميل" والهاتف يدخل في الكراهية؛ لأنها كلها محرمة، وينصحكم بالانتباه واليقظة، وليكن من أجله بداية الإقلاع والتوبة عن كل هذه الأفعال. - الضيف الكريم يريدكم من الآن أن تقرءوا عنه وعن نسبه وشرفه وأصله ومزاياه، وما الذي يحبه وما الذي يكرهه، حتى تحسنوا ضيافته، وتنالوا بركته، وتحصلوا على منحه وعطاياه. - يخبركم الضيف الكريم أن معه ليلة القدر هدية من هداياه والتي فيها القيام خير من ألف شهر، ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)﴾ (القدر).. - الضيف يشعر بتمزق الأمة الإسلامية وشرذمتها، لذا الضيف يأتي عليكم حزينًا حزينًا، ويقول لكم إذا أردتم فرحتي فكونوا عباد الله إخوانًا، ولا تنسوا بعضكم في الدعاء فإن لكم عندي دعوة عند الإفطار ما ترد، خاصةً الإخوة المجاهدين والمجاهدات في أرض الرباط فلسطين، وفي المنطقة المشتعلة (غزة) وعلى جميع المستويات ألحُّوا على الله في الدعاء فأنا أعلم منكم الله قريب قريب والدعاء مستجاب مستجاب فادعوا وأنتم موقنون بالإجابة يا أحبتي.
***************
شهر القرآن ..... بقلم /الإمام حسن البنا – رحمه الله شهر رمضان هو شهر الإرادة القوية، التي تورث الحرية الصحيحة، وهو شهر الروحانية الكاملة التي تورث السخاء والجود بأعراض المادة، وأحب أن نتعرَّف في هذه الكلمة كيف أن رمضان هو شهر التلاوة والقرآن. يروِي ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: ربِّ منعته النوم بالليل فشفعني فيه؛ فيشفعان" (المستدرك على الصحيحين للحاكم: 1/740 رقم 2036، ومسند الإمام أحمد: 2/174 رقم 6626- مؤسسة قرطبة- مصر). والملازمة بين رمضان وتلاوة القرآن واضحة في كثير من الأحاديث، حتى فيما يتداوله العامة من العبادات، فهل كان هذا التلازم لأن أول آية من القرآن نزلت في رمضان، وهو - صلى الله عليه وسلم- يتعبَّد في غار حراء؟ أم لأنه - صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من التلاوة في رمضان، وصارت تلك سنة المسلمين من بعده؟ أم لأن الناس جرى عرفهم على قضاء ليالي رمضان في استماع القراء والجلوس إليهم؟ أم لأن صلاة القيام في رمضان عمادها القرآن؛ فهو عبادة الليل والصوم عبادة النهار؟! قد يكون كل ذلك جاء في تعليل أن رمضان شهر القرآن، وهناك معنى آخر تنضح به النفس، ويتراءى في مرآة الروح، ويبدو أمامها واضحًا جليًّا ظاهرًا قويًّا.. أليس الصوم طهارةً للنفوس ونقاءً للأرواح، يسمو بها إلى الملأ الأعلى، ويرتفع بها إلى أفق الملكية؛ حيث يتصل بعالم غير هذا العالم؟ وأليس القرآن نبعًا فياضًا ينضح بهذه الروحانية، ويذكِّر النفوس بالملأ الأعلى أيضًا، ويجلو أمامها أسرار ملكوت السماوات والأرض؟ بل هو وديعة الملأ الأعلى وهديته لهذا العالم الأدنى.. فهو حبل الله المتين، طرفه بيد الله وطرفه بيد الناس، فالنفس إذا صفت وترقت بالصوم رأت القرآن معنى ساميًا من معاني الملأ الذي ارتقت إليه؛ فأدركت مراتبه، واستجلت معانيه، واستوضحت أسرارَه، وأخذت منها بطرف ما كانت لتصل إليه لولا أنها هُذِّبت بالصوم، وترقَّت به إلى عالم الحقيقة والنور. فعلى ضوء النور الذي تشرق به جوانب النفس بالصوم يكشف الصائم عن الحقائق السامية التي يزخر بها بحر القرآن الفيَّاض؛ ولهذا كان رمضان شهر القرآن، ولهذا نزلت أول آية على الرسول- صلى الله عليه وسلم- في غار حراء وهو أصفى ما يكون نفسًا، وأطهر روحًا بالتجرد والخلوة والتعبُّد والرياضة والتحنُّث الليالي ذوات العدد، وقد كان ذلك في شهر رمضان؛ ولهذا كان الصيام والقرآن شفيعَيْن للعبد يوم القيامة.
كان القرآن في أمة خلت عند سلفنا الصالحين ربيع قلوبهم، وقرة أعينهم، وحياة أرواحهم، ومشكاة صدورهم، وطيب أفواههم، وشهوة ألسنتهم، وغذاء عقولهم وأفكارهم؛ يقرءونه بالعشي والإصباح، ويتلونه بالليل والنهار، وهم حين يقرءون يفهمون، وحين يفهمون يعملون، وحين يعملون يخلصون؛ فيكشف الله عن قلوبهم الحجب، ويفكّ عن أفئدتهم الأقفال والأغلال؛ فيدركون ما يريد القرآن الكريم منهم، ويتوجهون إلى ما وجههم إليه، وما هو إلا سعادة الدنيا ونعيم الآخرة ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَّشَاءُ﴾ (الزمر: 23).
ثم جاء من بعد أولئك أمم هذه الأعصار؛ فوقفوا من القرآن موقفًا غريبًا، وسلكوا به مسلكًا عجيبًا، وكان حظُّهم منه ألفاظًا تُردَّد، ونغمات تنوع، وألحانًا تسمع، وأوقاتًا تُقضى في غير عظة ولا اعتبار، إنهم يقرءون القرآن كثيرًا، ويستمعون إليه كثيرًا، ويتلونه في كل مناسبة، ويعمرون به بيوتهم، ويزينون به حفلهم، ويحفظونه في صدورهم، ويحملون المصاحف في جيوبهم، كل ذلك مستفيض فيهم، لم يقصروا فيه، ولم يغفلوا عنه، ولكن ما بالهم لا يسيرون كما يسيرهم القرآن، ولا يتوجَّهون إلى ما يوجههم إليه، ولا يعملون بأمره ونهيه، ولا يميِّزون بين تحليله وتحريمه، ولا يتأثرون بزجره ووعظه، ولا يقيمون وزنًا لحدوده وأحكامه، وكأنه لغيرهم نزل، وكأن سواهم كُلِّف فقهه وحمايته، أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟!
ألست تقف موقف الدهشة والعجب حين ترى شخصًا يؤمن بالقرآن، ويدين به، ويعتقد أنه دستور الله لخلقه وأمره لعباده، والميثاق الذى واثقهم به، ثم يسمع قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24)؛ فيتعامى عن مقاصدها، ويتغافل عن مطالبها، ويكون كل أولئك أحب إليه من الله ورسوله، ثم يريد بعد ذلك أن يدفع الله أمره، ويرفع عنه نقمته، ويلحّ في الدعاء بذلك ليل نهار، أفَتَرَى هذا تأثَّرَ بالقرآن أو انتفع به؟! وألست تقف موقف الدهشة حين ترى قومًا يخاطبهم ربهم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ (المائدة: 90 : 92)، ثم هم بعد ذلك النداء يتخذون الخمر تحيةَ أضيافهم وعنوان رقيِّهم، ويتخذون الميسر سلوةَ نفوسهم وقضاء أوقاتهم!! وألست تقف موقف الحيرة الأسيفة حين ترى قومًا يناديهم ربهم بقوله: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِي اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22)، ثم تطغى عليهم بعد ذلك المجاملات الكاذبة، فتضعف نفوسهم عن التفريق بين العدو والصديق، والمحب والمبغض؛ فيتخبطون في عاطفتهم، ويخلطون في حبهم وبغضهم؟! وألست تعجب كل العجب حين تعلم أن الله- تبارك وتعالى- يقول للمسلمين في ثلاث آيات من سورة واحدة في موضع واحد: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (المائدة: 44)، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (المائدة: 45) ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (المائدة: 47)، ثم يُرْدِفُ ذلك كله بآية هي أقسى ما يكون في تهديد من حادَ عن أحكام الله- تبارك وتعالى- فيقول: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: 50)، ثم هم بعد ذلك يرجعون إلى أهوائهم، ويتحاكمون إلى غير كتاب ربهم، وفيه الحكم الفصل لو كانوا يعقلون! وألست تعجب كل العجب حين ترى أمةً يناديها بارئها بقوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103)، فيقابلون هذا الأمر الصادع والحكم الجازم بالفرقة والاختلاف، والتشيع والتحزب والانقسام على أنفسهم طرائق قددًا، وطوائف بددًا، يتراشقون بالسباب، ويتنابزون بالألقاب، والعدو قد اقتحم عليهم الباب. وماذا أقول لك؟ أمامي الآن كتاب الله- تبارك وتعالى- وأقسم لك إنه خُيِّل إليَّ أني كلما تلوت آيةً من آياته رأيتُ المسلمين في هذا العصر في واد وهي في واد آخر. سارت مشرِّقة وسارت مغربًا شتان بين مشرقٍ ومغربِ أيها المسلمون.. إن هذا القرآن شافع مشفع وفاصل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار؛ فتتبعوا أوامره، وأقيموا حدوده، واعملوا بتعاليمه، ولا تدعوا شهر رمضان يمر بكم دون أن يترك في النفوس قبسًا من نوره وأثرًا من تهذيبه؛ فيرفع عنها حجاب الغفلة، ويكشف لها عن مواطن العبرة؛ فتكون من العارفين العاملين، فإن لم تفعلوا فاذكروا يومًا يخاصمكم فيه نبيكم - صلى الله عليه وسلم- حين ينادي ربه: ﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (الفرقان). *************** رمضان.. انطلاقة بالقرآن أبرز ما في رمضان أنه شهر القرآن ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185)، وهذه الآية تستدعي منا وقفات تلو الوقفات؛ فما القرآن؟ سؤال يحتاج أن نبحث عن إجابته في نفوسنا، قبل أن نبحث عنها في الكتب، أو نسأل عنها العلماء، وبصيغة أخرى؛ ماذا يعني القرآن الكريم لكل مسلم؟ ما قيمة القرآن عند كل مسلم؟ ما التصور الحقيقي للقرآن؟ هل حروف يردِّدها اللسان؟ أم نغم تتمايل له الآذان؟ أم ختمات نتسابق على إحراز أكبر عدد منها في رمضان؟ من المؤسف أن هذا حال الكثيرين منا في رمضان، وقليلاً ما نلتفت للإجابة الحقيقية لهذا السؤال الذي طرحناه، ما القرآن؟ ما مهمة القرآن في حياتنا؟ القرآن كما يعرِّفه صاحب الظلال- عليه سحائب الرحمة-: "هو كتاب الأمة الخالد، ودستورها الراشد، أخرجها من الظلمات إلى النور، فأنشأها هذه النشأة، وبدَّلها من خوفها أمنًا، ومكَّن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة، ولم تكن من قبل شيئًا"، "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا, ويضع به آخرين" (رواه مسلم). وإذا استعرضنا آيات القرآن وهي تتحدث عن القرآن فسنجد تلك المعاني واضحة جلية، ومن ثم أصبح من الواجب على مسلمي العصر، أن يراجعوا أنفسهم في تعاملهم مع القرآن، فالقرآن كتاب هداية للناس، كل الناس ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾، هداية للمتقين ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة: من الآية 2)، يهدي للتي هي أقوم ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (الإسراء: من الآية 9)، روح تحيي القلوب والأجسام، ونور يضيء الطريق للجوارح والأبدان ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)﴾ (الشورى)، في ظلال هذه المعاني ينبغي أن تكون الحياة مع القرآن انطلاقًا من شهر رمضان، والحياة مع معانيه؛ أكثر من الانشغال بمبانيه، وتدبر آياته أعمق من ترديد كلماته، والعمل بتعاليمه أكثر شغلاً واهتمامًا من عدد ختماته، فرب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، وكم من قارئ للقرآن لا يتجاوز حناجره، ولا يرفع عن رأسه قدر أنملة، كم من أمر في القرآن تلوناه ولم نأته، وكم من نهي في القرآن تلوناه ونأتيه، إننا بحاجة لأن نحسن تعاملنا مع القرآن بالقدر الذي يليق بمكانة القرآن، الذي جعل من رعاة البقر والغنم قادة وسادة للأمم، ومن عبدة الأصنام هداة على مر الزمان؛ لنسعد في دنيانا، ونفوز بأعظم حظوظ الآخرة. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه أُلبس والداه تاجًا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم؛ فما ظنكم بالذي عمل بهذا" (رواه أبو داود). ويقول صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن، واستظهره، فأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه؛ أدخله الله به الجنة، وشفَّعه في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار" (رواه الترمذي). وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهلَه الذين كانوا يعملون به في الدنيا تَقدُمُهُ سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما" (رواه مسلم). *************** المنزوون بالقرآن! إذا جاء رمضان أقبل المسلمون على القرآن.. رُبع في جلسة، أو جزء، أو أكثر، ويتسارع تقليب صفحات المصحف من أجل ختمة، أو ختمتين، أو ثلاث أو أكثر. فلنسأل أنفسنا هذا السؤال: هل نقرأ القرآن لمجرد القراءة؟ وهل هذا الحال هو المطلوب؟ وهل هذه الحالة هي وظيفة القرآن؟ فلنستمد الإجابة مباشرة وصراحة من القرآن نفسه في هذين الموضعين: * من بداية القرآن، من الآية الثانية من سورة البقرة ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)﴾ (البقرة). * ومن بين آيات الصوم حين يزداد الإقبال على القرآن ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185). إذن القرآن ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾، و﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾. للقرآن عمل ووظيفة، وقد أنزله الله ليعمل، وليتوظف في مجتمع المهتدين المتقين المتدينين ﴿هُدًى﴾ ليزيدهم هدى، ويثبتهم ويرتقي بهم. وفي مجتمع الناس الواسع، مجتمع غير المسلمين، أو مجتمع العصاة الشاردين ﴿هُدًى﴾. معنى ذلك أن القرآن أُنزل ليعمل في الدائرتين، في المجتمعين.. ومعنى ذلك أنه يجب على أهل القرآن أن يعملوا به، وأن يتحركوا به، حتى لا يقعوا في مجال شكوى النبي صلى الله عليه وسلم ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)﴾ (الفرقان). إن قراءة القرآن بتقليب الصفحات بسرعة أو ببطء، وإن الإكثار من الختمات بانكفاء على الذات وانزواء؛ يجعلنا نحصل على كثير الحسنات في الحصالة الشخصية فقط.. فأين حسنات الحصالة العامة (للناس)؟ إننا لو بقينا قرنًا من الزمان أو قرنين على هذه الحال (قرآنًا بانكفاء وانزواء)، فسوف تكون المحصلة سلبية في النهاية، سلبية على نفوسنا أولاً، وسلبية على الناس المقصودين بهداية القرآن ثانيًا وآخرًا! فماذا؟ أنزل الله القرآن ليعمل، ليتحرك به المسلمون في الدائرتين، دائرة الخصوص (المتقين)، وفي دائرة العامة (للناس)، وإن تحويل القرآن إلى عبادة شخصية يتنافى مع طبيعة القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: "بلّغوا عني ولو آية" (رواه البخاري والترمذي وأحمد). والتبليغ هو الدعوة الإسلامية، والقرآن الكريم هو الصيغة الإلهية للدعوة، ولهذا أنزل ليكون منهج حركة ودعوة، ومنهج حياة واقعية. إن حلقات القرآن الكريم للتحفيظ، والمقارئ إذا اقتصر دورها على تصحيح النطق، وتجويد الصوت، والقراءات العشر، فذلك قصور أو تقصير منا في إدراك رسالة القرآن.. وإن مجرد الحفظ النظري للقرآن، ثم الحصول على الجوائز وشهادات التقدير مع الإبقاء على الواقع الإسلامي بين مخالب وأنياب الجاهليات الوثنية المعاصرة تعصف بالمجتمعات حسب أهواء طواغيت البشر، وحسب الأنظمة المغتصبة لسلطان الله على عباده، إن حالة المسلمين هذه مع القرآن إنما تمثل خللاً في الفهم، وابتعادًا بالقرآن عما أُنزل من أجله. فلنتحرك: لتكن لنا بالقرآن حركتان: حركة في مجتمع المتدينين (المتقين).. وحركة في مجتمع (الناس) أجمعين.. بذلك يكون القرآن عاملاً في مجاله، ولتكن حركتنا تبصيرية ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: من الآية 108). ولتكن حركتنا بالقرآن حركة جهادية: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان: من الآية 52). حركة جهادية نهارية وليلية، حركة دعوية في المساجد، وفي الأسواق، في الشوارع وفي النوادي. حركة جهادية في المؤتمرات والنقابات، حركة مع أفراد الأسرة، وبين الأقارب والجيران والمعارف، حركة تأخذ مسمى "الدعوة" وحركة تأخذ بمسمى "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وحركة تسمى "الإصلاح"، وتأخذ بكل المسميات القرآنية، حركة تشمل جميع جوانب الحياة: في العقيدة (التوحيد). في العبادة.. في الإدارة.. في السياسة.. في الاقتصاد.. في الفن.. في الأدب والثقافة.. في التربية والتعليم.. في الزراعة.. في الصناعة.. في التجارة.. في الأخلاق.. في الاجتماع.. في الغايات والوسائل، وبين جميع شرائح المجتمع، حتى يكون القرآن واقعًا بحق (للمتقين)، و(للناس)، وحتى تعيش أمة القرآن بالقرآن ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ (الأنعام: من الآية 38). كيف؟ درس عملي "1": يبقى كلامنا نظريًّا إن لم نتصور الأداء العملي لما نقول. اجتمع الزوجان على الورد القرآني، الجزء الأول، في اليوم الأول من رمضان.. أو اجتمع رجلان أو أكثر.. أو اجتمعت امرأتان أو أكثر.. وبعد الانتهاء من تلاوة الجزء الأول، تمت دراسة الآيات من (8- 12) من سورة البقرة، الخاصة بالمنافقين وصفاتهم، وتم استيعاب هذه المعاني، للمضي في حركة قرآنية دعوية: 1- النفاق ليس ظاهرة تاريخية وانتهت.. 2- حالات النفاق في عصرنا.. 3- هل توجد صفات نفاق في أفراد من المسلمين الآن؟ (بدون ذكر أسماء أشخاص بعينهم).. 4- كيف يتخلص الأفراد المسلمون مما عساه يكون بهم من صفات النفاق؟ (ما الوسائل؟). 5- ما دورنا لعلاج ظواهر النفاق في مجتمعنا؟ 6- ما مصير المنافقين؟ 7- إذا كان بين المشاركين خطيب، فليكن هذا هو موضوع خطبة الجمعة المقبلة. 8- ينتقل المشاركون في هذا الدرس إلى آخرين في محيط العمل، أو من الأهل أو الأقارب أو الجيران والأصدقاء. 9- وعلى الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات أن ينتقلوا إلى أولادهم وطلابهم وطالباتهم مع مراعاة الآتي: 1) عرض صفات المنافقين بشكل مبسط يناسب الفئات العمرية المتنوعة. 2) ملاحظة الانفعالات التي تظهر عند عرض الصفات المذمومة. 3) التركيز على تنفير الأولاد، أو الطلاب والطالبات من النفاق والمنافقين. 4) التركيز على صفة الكذب في المنافقين، وامتداح الصدق والصادقين، وعرض قصص للكذب والصدق. 5) الحرص على تعزيز حلقات التعليم، وليس الحفظ فقط، حتى ينشأ هؤلاء على معرفة رسالة القرآن الكريم الذي يحفظونه. درس عملي "2": بعد الانتهاء من تلاوة الجزء الرابع عشر، تمت دراسة الآيات من (90- 95) من سورة النحل، وهي تحتوي على عدد من الوصايا الإيمانية، والسلوكيات العملية، وتم استيعاب هذه المعاني: 1- المؤمن مكلف باتباع القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، والتحلي بجميع الأوامر، واجتناب جميع النواهي. 2- من الأوامر والإرشادات القرآنية: العدل- الإحسان- صلة الأرحام- اجتناب الفحشاء والمنكر والظلم- الوفاء بعهد الله- التمسك بالأيْمان (الحلف)- عدم الارتداد عن الإسلام- لا نبيع ديننا بأي عرض دنيوي. 3- كيف نتحلى بالأوامر القرآنية والنبوية؟ وكيف نثبت عليها؟ وما الوسائل؟ 4- ما مصير الموفين بعهدهم مع الله ورسوله؟ 5- إذا كان من المشاركين خطيب؛ فلتكن هذه الأوامر القرآنية هي موضوع خطبته لهذا الأسبوع. 6- ينتقل المشاركون في هذا الدرس إلى آخرين في محيط العمل، أو من الأهل أو الأصدقاء والجيران، والأقارب لهم الأولوية. 7- وعلى الآباء والأمهات، والمعلمين والمعلمات أن ينتقلوا إلى أولادهم، وإلى طلابهم وطالباتهم بهذا الدرس القرآني، مع مراعاة الآتي: 1) عرض التوجيهات بشكل مبسط يناسب مستوياتهم. 2) التمثيل للتوجيهات بصور عملية، ومناقشتهم لعرض ما يتوارد على أذهانهم من ذلك؛ بحيث لا يكون الحديث من طرف الأب أو الأم، أو المعلم أو المعلمة وحدهم. 3) عرض أمثلة من واقع الأولاد أو الطلاب والطالبات، وأفراد المجتمع لتعزيز الفهم والسلوك. التربية القرآنية: قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه" (رواه البخاري). التعلُّم يشمل الحفظ، والفهم، والممارسة العملية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)﴾ (الصف). بعد الحفظ، بل مع الحفظ يكون الفهم، ويتحقق العمل، أما الوقوف عند الحفظ وتصحيح النطق، وتجويد الحروف، والقراءات، فتلك مقدمات العمل بالقرآن، والسنة شارحة القرآن الكريم. ومن المقدمات إلى المضمون يمضي المسلمون.. هل وعينا رسالة القرآن؟ هل وعينا ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾؟ و﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾؟ وهل وعينا الدور المنوط بنا تجاه القرآن في رمضان وفي غير رمضان؟ ***************
نويت الصيام في رمضان من هنا نبدأ هي وقفة قبل البدء نريد أن نستشعر ما أراده الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" ولذلك فإن نقطة البدء حدَّدها لنا صلى الله عليه وسلم وهو يضع أهم قاعدة يقوم عليها عمل المسلم بقوله: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، وهذه هي نقطة الانطلاق في حياة المسلم، فهو لا يؤدي عملاً دنيويًّا كان أم أخرويًّا من قول أو فعل أو جهاد إلا وهو يقصد به وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته، من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، لا ينتظر محمدةً من الناس ولا ثناءً منهم عليه، ولا يخاف لومهم وذمهم وعتابهم له، بل يريد الله والجنة، ومن أجل ذلك كانت نية المؤمن خيرًا من عمله، ويبلغ العبد بنيته ما لا يبلغه بعمله، ونية الخير باقية أبدًا لا تتوقف وإن توقف العمل، وقاصد الخير يثاب بنيته وإن لم يُصِبْ المراد، والنيات تحوِّل العادات إلى عبادات ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (الكهف: من الآية 110). ماذا أنت فاعل؟! لقد أقبل علينا شهر التوبة والرحمة، شهر الإحسان والزهد، شهر الخيرات والبركات، تُرى ماذا أنت فاعل في رمضان؟ أتكون من المقبلين التائبين؟ أتكون من الطائعين الخاشعين؟ أتكون من الذاكرين الله آناء الليل وأطراف النهار والمستغفرين بالأسحار؟ أتكون من القائمين بالليل والناس نيام؟ أتكون من الزاهدين قاطعي النفس عن التلذذ بالمشتهيات؟!.. أم تكون من القانعين بعملهم؟ أم تكون من المكتفين بصيام العوام؟ أم تكون من السالكين درب الدعة والراحة في شهر الجد؟! وحبيبك يقول: "لا يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة"، فلا منتهى لفعل المؤمن في الطاعة والعبادة لله، ولا منتهى لطمعه في الخير حتى ينال حب الله وفي الحديث القدسي خير حافز "ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه". معذرة ولكن يتساءل الكثير من المسلمين لماذا يدخل رمضان ويخرج ولا تتحقق فيه التقوى المذكورة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة)، ونجد البعض الآخر يشكو أن قلبه لا يخشع في مجالس الذكر، ولا يبكي لما يبكي له غيره، بالرغم من أنهم صاموا الشهر كله، وأنهم توقفوا عن الأكل والشرب والجماع من الفجر إلى المغرب.. إنه حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش". من أجل ذلك نقول لكل مسلم: معذرة أخي الحبيب.. عُدْ فصم؛ فإنك لم تَصُم كما ينبغي، فأحسِن إلى نفسك بإحسان الصيام وإتقانه، فجدِّد أخي صيامك وأعدَّه من جديد، وفق ما أراد الله وشرع لنا، فهل نويت الصيام أم تنوي معي الآن نية الصيام كما يحب ربنا ويرضى؟!. أي صيام؟! نعم نويت الصيام.. لكن أي صيام؟! الغالبية منا يركِّزون في صيامهم على تحقق ركن الصيام الأساسي من الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من الفجر إلى المغرب، وهذا ما تعارف عليه المسلمون ويحافظون عليه، وفيه قال ميمون بن مهران "إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب" وقد يرتقي المسلم في صيامه فيضيف إلى ما سبق أن يمتنع عن معصية الله عز وجل طوال اليوم بما يحقق له التقوى المنشودة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة). أريدك أخي الحبيب أن تشاركني فيما أردته من صومي، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يحقق منزلة التقوى، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يجلب لي رحمة الله ومغفرته وعتقه من النيران، لقد نويت الصيام في رمضان صيامًا يرتقي بصاحبه في درجات الجنان، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يمنع صاحبه من الوقوع في معاصي الله مساءً وصباحًا، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يخرجني شخصًا آخر بعد رمضان، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يقترب بي من صوم خصوص الخصوص؛ بأن يصوم القلب عما سوى الله عز وجل، فلا يفكر إلا في الله ولا يتعلق قلبه إلا بالله، هذا هو الصوم الذي نويت صيامه في رمضان، يقول الشاعر: أهل الخصوص من الصوام صومهمم *** صون اللسان عن البهتان والكذب والعارفون وأهل الأنس صومهمو *** صون القلوب عن الأغيار والحجب نويت الصيام إليك أخي الحبيب صور الصيام الذي نويته في رمضان: * نويت الصيام في رمضان إيمانًا واحتسابًا.. إيمانًا بوجوبه.. واحتسابًا واستشعارًا بالأجر عند الله؛ انطلاقًا من قوله صلى الله عليه وسلم: "الغيبة تفسد الصوم" ولن أقع في السخرية أو اللمز والغمز أو التنابز بالألقاب؛ لقوله تعالى: ﴿وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ﴾ (الحجرات: من الآية 11)، ولن أقع في لعنة الناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"، وسأجعل الصوم حاكمًا على لساني وحابسًا له؛ حتى لا يكون سببًا في المؤاخذة بين يدي الله، متذكرًا قول الحبيب: "وهل يكب الناس على وجوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم". * نويت الصيام في رمضان.. فلن أسمح لأذني أن تصول وتجول في كل ميدان تتسمَّع فيه ما يغضب الله، بل هو كفُّ السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه؛ لأن كل ما حرُم قوله حرُم الإصغاء إليه؛ لقوله تعالى ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ (التوبة: من الآية 47)، ولقوله ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ (الأنعام: من الآية 68)، قال الحارث المحاسبي: "وليس من جارحة أشد ضررًا على العبد بعد لسانه من سمعه؛ لأنه أسرعُ رسول إلى القلب، وأقربُ وقوعًا في الفتنة، "ولن أسمح لأذني أن تتسمَّع لكل ما هو حرام من أغانٍ ومجونٍ وفحش قول، وغيبة ونميمة؛ امتثالاً لوصية عمرو بن عتبة: "نزِّه سمعك عن استماع الخنا كما تنزِّه لسانك عن الكلام به، فإن السامع شريك القائل"، وقد أجمع علماء القلوب على أن طول الاستماع إلى الباطل يطفئ حلاوة الطاعة من القلب، وأن حب الغناء وترديده والتعلق به يصرف عن العبد أنوار القرآن وحلاوة الذكر، قال عبد الله بن مسعود: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل". * نويت الصيام في رمضان.. فلن أبالغ في الاستماع للأناشيد والكلمات التي لا فحش فيها ولا سوء؛ لأن التجاوز فيها عن الحدِّ والترنُّم بها في الخلوات بديلاً عن الترنم بآيات القرآن؛ يؤدي عكس المطلوب منها ويضر بصاحبها. * نويت الصيام في رمضان.. فلن أطلق العنان لبصري صباحًا أو مساءً، بل سأكفُّه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يُذم ويُكرَه، وإلى كل ما يشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله عز وجل، مستشعرًا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفًا من الله آتاه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه". * نويت الصيام في رمضان.. بأن أجعل سيري ومشيي لله، إما في حاجة مسلم؛ لقوله: "ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام"، وإما في عيادة مسلم؛ لقوله: "إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة"، وإما في اتباع جنازة؛ لقوله: "من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان، والقيراط مثل أحد"، وإما إلى مسجد للصلاة؛ لقوله: "أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى" وقوله "من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة" وإما زيارة أخ في الله "زار رجل أخًا له في قرية، فأرصد الله له ملكًا على مدرجته، فقال: أين تريد؟ قال: أخًا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تربها؟ قال: لا إلا أني أحبه في الله. قال: فإني رسول الله إليك أن الله أحبك كما أحببته"، وإما في دعوة الخلق وهداية الناس؛ لقوله "من دعا إلى هدى فله أجرها وأجر من علم بها إلى يوم القيامة"، وإما جهادًا ودعوة في سبيل الله؛ لقوله "ما اغبرَّت قدما عبد في سبيل الله إلا حرَّم الله عليه النار"، وإما سعيًا في طلب الرزق "إن الله تعالى يحب أن يرى عبده تعبًا في طلب الحلال" وإما سعيًا في طلب العلم؛ لقوله "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع". * نويت الصيام في رمضان.. بأن أجعل يدي يدًا عليا، تعمل الصالحات وتحرث الخير، أو ترحم وتعطف وتحنو؛ لقوله "وامسح رأس اليتيم"، أو تعمل في الكسب؛ لقوله: "أطيب الكسب عمل الرجل بيده"، أو تكتب خيرًا للناس، أو تتصدَّق بصدقة، أو ترفع للإسلام رايةً، أو تميط الأذى عن الطريق، أو تصافح المؤمنين لتتناثر الذنوب مع المصافحة؛ لقوله "إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلَّم عليه وأخذ بيده فصافحه؛ تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر"، وألا أجعلها يدًا سفلى تعبث في المعاصي، أو تخطَّ حرفًا في حرام أو تكتب ما يغضب الله في صحيفة أو عبر النت، أو تحرِّك شهوةً، أو تقدِّم رشوةً، أو ترفع سلاحًا على مسلم، أو أن تبطش به ظلمًا وجورًا، أو تُعين على معصية، أو أن تزني لقوله: "واليد زناها اللمس" وقوله "واليد زناها البطش"، أو أن تمس امرأة أجنبية. * نويت الصيام في رمضان.. فلا شهوة للبطن في رمضان، فلن أُكثر من الطعام وإن كان حلالاً، ولن أملأ جوفي منه، بل صيام بلا سرف في طعام وشراب لقول الفاروق عمر "إياكم والبطنة في الطعام والشراب؛ فإنها مفسدة للجسد، مورِّثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما؛ فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه". * نويت الصيام في رمضان.. بكف كل الجوارح عن الآثام، سواءٌ الأذن أو العين أو اللسان أو اليد أو الرجل أو البطن أو غير ذلك، والكفّ لها عن الشهوات والشبهات على السواء، وسأسعى لكسر الشهوة بالليل كما كسرتها بالنهار، ولله درُّ جابر حين قال: "إذا صُمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودعْ أذى الجار، وليكُن عليك وقارٌ وسكينةٌ يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء"، لله در الحكيم: "مثل القلب مثل بيت له ستة أبواب، فاحذر أن يدخل عليك من أحد الأبواب شيء، فيفسد عليك البيت، فالقلب هو البيت، والأبواب: اللسان، والبصر، والسمع، والشم، واليدان، والرجلان، فمتى انفتح باب من هذه الأبواب بغير علم ضاع البيت"، فمن جمع بين صوم البطن والفرج والجوارح فقد فاز وسبق غيره من الصائمين، وإلا فما أرخص الصوم الزائف. إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غضُّ وفي منطقي صمت فحظي إذًا من صومي الجوع والظمأ وإن قلت أني صمت يومي فما صمتُ هكذا نويت الصيام في رمضان، فهل تنوي معي أخي الكريم أن نصوم رمضان هذا العام بهذه الكيفية، وأن نجعل صيام رمضان هذا العام مختلفًا عن سابقه؟! اللهم سلمنا إلى رمضان وسلمه لنا وتسلمه منا متقبلاً. والله أكبر ولله الحمد | |
|